لا يلزم من اتحاد الأسماء
تماثل المسمى
الشرح:
في هذه القاعدة رد على
طائفتين من أهل البدع؛ الطائفة الأولى: هم الممثلة الذين مثلوا صفات الخالق جل
وعلا بصفات المخلوقين؛ لأجل الاشتراك في الأسماء.
والطائفة الثانية: هم
المعطلة الذين عطلوا الأسماء والصفات بدعوي أنها تشابه أسماء المخلوقين.
وكلا الطائفتين –أعني:
المشبهة والمعطلة- بمعزل عن الصواب؛ وذلك لأنه لا يلزم من اتحاد الأسماء تماثل
المسمى، وهذا موجود حتى بين المخلوقات بعضها البعض. قال ابن تيمية رحمه الله _في
التدمرية_: "فإن الله سبحانه وتعالى أخبرنا عما في الجنة من المخلوقات؛ من
أصناف المطاعم والملابس والمناكح والمساكن، فأخبرنا أن فيها: لبنا، وعسلا، وخمرا،
وماءً، ولحمًا، وحريرًا، وذهبا، وفضة وفاكهة، وقصورا، وقد قال ابن عباس رضي الله
عنهما: ليس في الدنيا شيء مما في الجنة إلا الأسماء.
وإذا كانت تلك الحقائق التي
أخبر الله عنها هي موافقة في الأسماء للحقائق الموجودة في الدنيا، وليست مماثلة
لها، بل بينهما من التباين ما لا يعلمه إلا الله تعالى، فالخالق سبحانه وتعالى
أعظم مباينة للمخلوقات منه مباينة المخلوق للمخلوق، ومباينته لمخلوقاته أعظم من
مباينة موجود الآخرة لموجود الدنيا؛ إذ المخلوق أقرب إلى المخلوق الموافق له في
الاسم من الخالق إلى المخلوق، وهذا بيِّن واضح".انتهى
فالله سبحانه وتعالى هو الذي
سمى نفسه هذه الأسماء، وهو الذي سمى مخلوقاته أيضا هذه الأسماء، فقد سمى الله
تعالى نفسه سميعا بصيرا؛ فقال تعالى:{إن الله كان سميعا بصيرا}(النساء: ٥٨)، وسمى
بعض مخلوقاته سميعا بصيرا؛ فقال:{فجعلناه سميعا بصيرا}(الإنسان: ٢)، وليس السميع
كالسميع، ولا البصير كالبصير، وسمى الله سبحانه وتعالى نفسه رؤوفا رحيما؛ فقال
تعالى: {إن الله بالناس لرءوف رحيم}(البقرة: ١٤٣)، وسمى بعض عباده رؤوفًا رحيما؛
فقال:{لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رءوف رحيم}(التوبة:
١٢٨)، وليس الرؤوف كالرؤوف، ولا الرحيم كالرحيم.
وسمى نفسه جبارًا متكبرًا،
وسمى بعض عباده جبارًا متكبرًا؛ فقال:{كذلك يطبع الله على كل قلب متكبر
جبار}(غافر: ٣٥)، وليس الجبار كالجبار، ولا المتكبر كالمتكبر.
وسمى نفسه حفيظًا عليمًا،
وسمى بعض عباده حفيظًا عليما؛ فقال تعالى عن يوسف عليه السلام:{قال اجعلني على
خزائن الأرض إني حفيظ عليم}(يوسف: ٥٥)، وليس الحفيظ كالحفيظ ولا العليم كالعليم.
وقال تعالى عن نفسه:{ليس
كمثله شيء}(الشورى: ١١)، فنفى عن نفسه المثلية مع الاشتراك فيالأسماء. قال الإمام
أبو سعيد الدارمي رحمه الله:
"وقد
يجوز أن يُدعى البشر ببعض هذه الأسماء؛ وإن كانت مخالفة لصفاتهم؛ فالأسماء فيها
متفقة والتشبيه والكيفية مفترقة".
وقال الإمام أبو عمر أحمد بن
محمد الأندلسي [429هـ]: "أجمع المسلمون من أهل السنة على أن معنى قوله:{وهو
معكم أينما كنتم}(الحديد: ٤)، ونحو ذلك من القرآن أنه: علمه، وأن الله تعالى فوق
السموات بذاته، مستوٍ على عرشه كيف شاء. وقال أهل السنة في قوله:{الرحمن على العرش
استوى}(طه: ٥): إن الاستواء من الله على عرشه على الحقيقة لا على المجاز، فقد قال
قوم من المعتزلة والجهمية: لا يجوز أن يُسمى الله عز وجل بهذه الأسماء على الحقيقة
ويسمى بها المخلوق.
فنفوا عن الله الحقائق من
أسمائه وأثبتوها لخلقه، فإذا سُئلوا: ما حملهم على هذه الزيغ؟ قالوا: الإجماع على
التسمية يوجب التشبيه. قلنا: هذا خروج عن اللغة التي خوطبنا بها؛ لأن المعقول في
اللغة أن الاشتباه في اللغة لا يحصل بالتسمية، وإنما تشبيه الأشياء بأنفسها أو
بهيئات فيها، كالبياض بالبياض، والسواد بالسواد، والطويل بالطويل، والقصير
بالقصير، ولو كانت الأسماء توجب اشتباهًا لاشتبهت الأشياء كلها؛ لشمول اسم الشيء
لها، وعموم تسمية الأشياء به؛ فنسألهم: أتقولون: إن الله موجود؟ فإن قالوا: نعم.
قيل لهم: يلزمكم على دعواكم أن يكون مشبهًا للموجودين. وإن قالوا: موجود، ولا يوجب
وجوده الاشتباه بينه وبين الموجودات. قلنا: فكذلك هو حي، عالم، قادر، مريد، سميع،
بصير، متكلم؛ يعني: ولا يلزم من ذلك اشتباهه بمن اتصف بهذه الصفات".
0 Komentar untuk "القاعدة السابعة عشرة في توحيد صفات وأسماء الله سبحانه وتعالى / السنة والجماعة"